اسم الکتاب : البحر المديد في تفسير القرآن المجيد المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 97
أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ. وأكلت حواء أولاً، ثم قالت له: قد أكلتُ ولم يضرني، ثم أكل آدم عليه السلام من جنس الشجرة، لا من عينها، متأوّلاً، فطار التاج واللباس، وأخرجهما مِمَّا كانا فِيهِ من رغد العيش والهناء، وأهبطهما إلى الأرض، للتعب والعناء، ليكون خليفة على ما سبق به القضاء.
فقال لهم الحق تعالى: اهْبِطُوا آدم وحواء وإبليس والحية، بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ استقرار وتمتع إِلى حِينٍ وفاتكم، فتقدمون علي فيجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، فَتَلَقَّى أي أخذ آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ وهي: رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ، فَتابَ الحق تعالى عليه واجتباه لحضرته، فإنه توّاب كثير التوبة على عباده، رحيم بهم، أرحم من أبيهم وأمهم، اللهم ارحمنا رحمة تعصمنا بها عن رؤية السّوي، إِنك على كل شيءٍ قدير.
الإشارة: يقول الحق جلّ جلاله للروح، إذا كمل تهذيبها، وتمت تربيتها: اسكن أنت وبشريتك التي تزوجتها- قال تعالى: وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ- جنة المعارف، وَكُلا من ثمار أذواقها وأنهار علومها، وتبوَّءًا من قصور ترقياتها، أكلاً واسعاً ما دمتما متحليين بالأدب، ولا تقربا شجرة المعصية وسوء الأدب (فتكونا من الظالمين) ، فلما سكنت جنة الخلود، وشَرهَتْ إلى الخلود، أهبطها الله إلى أرض العبودية، وردها إلى البقاء لتستحق الخلافة، وتقوم بحقوق الربوبية، بسبب ما ارتكبه من المعصية، وهي الشَّرهُ إلى دوام الحرية، «أكْرِمْ بها معصية أورثت الخلافة!» ، فكل ما ينزل بالروح إلى قهرية العبودية، فهو سبب إلى الترقي لشهود نور الربوبية، وربما قضى عليك بالذنب فكان سبب الوصول، فلما أراد الحق تعالى أن ينزلها إلى أرض العبودية بالسلوك بعد الجذب، قال لها ولمن يحاربها من الشيطان والهوى والدنيا وسائر الحظوظ: اهبطوا بعضكم لبعض عدو، ولكم- أيها العارفون بعد جهاد أعدائكم- في أرض العبودية، استقرار وتمتعٌ بتجليات أنوار الربوبية، إلى حين الملاقاة الحقيقية. فتلقت الروح من ربها كلمات الإنابة، وهبَّ عليها، نسيم الهداية، بما سبق لها من عين العناية، فتاب عليها، وقرَّبها إلى حضرة الشهود، ومعاينة طلعة الملك الودود، إنه تواب رحيم جواد كريم.
ثم كرّر الحق تعالى أمرهم بالهبوط، فقال: